سورة النور - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله: {وَلاَ يَأْتَلِ} أي: يحلف، وزنه: يفتعل من الألية، وهي اليمين، ومنه قول الشاعر:
تألّى ابن أوس حلفة ليردّني *** إلى نسوة كأنهن مفايد
وقول الآخر:
قليل الألايا حافظ ليمينه *** وإن بدرت منه الألية برّت
يقال: ائتلى يأتلى إذا حلف. ومنه قوله سبحانه: {لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وقالت فرقة: هو من ألوت في كذا إذا قصرت، ومنه لم آل جهداً: أي: لم أقصر، وكذا منه قوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118]. ومنه قول الشاعر:
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه *** بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
والأوّل أولى بدليل سبب النزول، وهو ما سيأتي، والمراد بالفضل: الغنى والسعة في المال {أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله} أي: على أن لا يؤتوا. قال الزجاج: أن لا يؤتوا فحذف لا، ومنه قول الشاعر:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا *** ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وقال أبو عبيدة: لا حاجة إلى إضمار لا، والمعنى: لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان الجامعين لتلك الأوصاف، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى: لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم، وإن كانت بينهم شحناء لذنب اقترفوه، وقرأ أبو حيوة {إن تؤتوا} بتاء الخطاب على الالتفات. ثم علمهم سبحانه أدباً آخر، فقال: {وَلْيَعْفُواْ} عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم، وجنايتهم التي اقترفوها، من عفا الربع: أي: درس، والمراد محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع {وَلْيَصْفَحُواْ} بالإغضاء عن الجاني، والإغماض عن جنايته، وقرئ بالفوقية في الفعلين جميعاً. ثم ذكر سبحانه ترغيباً عظيماً لمن عفا وصفح، فقال: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم؟
{إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} قد مرّ تفسير المحصنات، وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حدّ القذف.
وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة؟ فقال سعيد بن جبير: هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها.
وقال مقاتل: هي خاصة بعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين.
وقال الضحاك، والكلبي: هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات، فمن قذف إحدى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل هذه الآية. قال الضحاك: ومن أحكام هذه الآية: أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم، ومن قذف غيرهنّ فقد جعل الله له التوبة كما تقدّم في قوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ} [النور: 5]. وقيل: إن هذه الآية خاصة بمن أصرّ على القذف ولم يتب، وقيل: إنها تعم كلّ قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين، واختاره النحاس، وهو: الموافق لما قرّره أهل الأصول من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقيل: إنها خاصة بمشركي مكة؛ لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة: إنما خرجت لتفجر. قال أهل العلم: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنون من القذفة، فالمراد باللعنة الإبعاد، وضرب الحدّ، وهجر سائر المؤمنين لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين، وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين، وإن كانت في مشركي مكة فإنهم ملعونون {فِي الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، والمراد بالغافلات اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهنّ، ولا يفطنّ لها، وفي ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات، وقيل: هنّ السليمات الصدور النقيات القلوب.
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} هذه الجملة مقرّرة لما قبلها مبينة لوقت حلول ذلك العذاب بهم، وتعيين اليوم لزيادة التهويل بما فيه من العذاب الذي لا يحيط به وصف. وقرأ الجمهور {يوم تشهد} بالفوقية، واختار هذه القراءة أبو حاتم، وقرأ الأعمش، ويحيى بن وثاب، وحمزة، والكسائي، وخلف بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد، لأن الجارّ والمجرور قد حال بين الاسم والفعل. والمعنى: تشهد ألسنة بعضهم على بعض في ذلك اليوم، وقيل: تشهد عليهم ألسنتهم في ذلك اليوم بما تكلموا به {وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} بما عملوا بها في الدنيا، وإن الله سبحانه ينطقها بالشهادة عليهم، والمشهود محذوف، وهو: ذنوبهم التي اقترفوها أي: تشهد هذه عليهم بذنوبهم التي اقترفوها، ومعاصيهم التي عملوها.
و {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} أي: يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم عليها موفراً، فالمراد بالدّين هاهنا: الجزاء، وبالحق: الثابت الذي لا شك في ثبوته. قرأ زيد بن عليّ {يوفيهم} مخففاً من أوفى، وقرأ من عداه بالتشديد من وفّى. وقرأ أبو حيوة، ومجاهد {الحق} بالرفع على أنه نعت لله، وروي ذلك عن ابن مسعود. وقرأ الباقون بالنصب على أنه نعت لدينهم. قال أبو عبيدة: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ليكون نعتاً لله عزّ وجلّ، ولتكون موافقة لقراءة أبيّ، وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبيّ {يوفيهم الله الحق دينهم}. قال النحاس: وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضيّ، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم، ولا حجة أيضاً فيه؛ لأنه لو صحّ أنه في مصحف أبيّ كذلك جاز أن يكون دينهم بدلا من الحقّ {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} أي: ويعلمون عند معاينتهم لذلك، ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز: أن الله هو: الحقّ الثابت في ذاته، وصفاته، وأفعاله.
المبين: المظهر للأشياء كما هي في أنفسها، وإنما سمى سبحانه الحقّ؛ لأن عبادته هي الحقّ دون عبادة غيره. وقيل: سمي بالحقّ أي: الموجود لأن نقيضه الباطل، وهو المعدوم.
ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} أي: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال أي: مختصة بهم لا تتجاوزهم، وكذا الخبيثون مختصون بالخبيثات لا يتجاوزونهن، وهكذا قوله: {والطيبات لِلطَّيّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ} قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأكثر المفسرين: المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات. قال النحاس: وهذا أحسن ما قيل. قال الزجاج: ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلاّ الخبيث من الرجال والنساء، ولا يتكلم بالطيبات إلاّ الطيب من الرجال والنساء، وهذا ذمّ للذين قذفوا عائشة بالخبث، ومدح للذين برّءُوها. وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} [النور: 3] فالخبيثات: الزواني، والطيبات العفائف، وكذا الخبيثون، والطيبون، والإشارة بقوله: {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} إلى الطيبين، والطيبات أي: هم مبرّءون مما يقوله الخبيثون، والخبيثات، وقيل: الإشارة إلى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعائشة، وصفوان بن المعطل، وقيل: عائشة، وصفوان فقط. قال الفراء: وجمع كما قال: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11]، والمراد أخوان {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} أي: هؤلاء المبرّءون لهم مغفرة عظيمة لما لا يخلوا عنه البشر من الذنوب {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، وهو رزق الجنة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يَأْتَلِ} الآية، يقول: لا يقسموا أن لا ينفعوا أحداً.
وأخرج ابن المنذر، عن عائشة قالت: كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك، وكان قريباً لأبي بكر، وكان في عياله، فحلف أبو بكر: ألا ينيله خيراً أبداً، فأنزل الله: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة} الآية، قالت: فأعاده أبو بكر إلى عياله، وقال: لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها إلاّ تحللتها، وأتيت الذي هو خير.
وقد روي هذا من طرق عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عباس في الآية قال: كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك، وتكلموا فيها، فأقسم ناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر: أن لا يتصدّقوا على رجل تكلم بشيء من هذا، ولا يصلوه، فقال: لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم، وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك، فأمر الله: أن يغفر لهم، وأن يعفى عنهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه في قوله: {إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} الآية، قال: نزلت في عائشة خاصة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة، ثم قرأ: {والذين يَرْمُونَ المحصنات} إلى قوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ}.
وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة عرّف الكافر بعمله فجحد وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك وعشيرتك، فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمتهم الله، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم، ثم يدخلهم النار» وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة ما يتضمن شهادة الجوارح على العصاة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} قال: حسابهم، وكلّ شيء في القرآن الدين، فهو الحساب.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: {يومئذٍ يوفيهم الله الحقّ دينهم}.
وأخرج ابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {الخبيثات} قال: من الكلام {لِلْخَبِيثِينَ} قال: من الرجال {والخبيثون} من الرجال {للخبيثات} من الكلام {والطيبات} من الكلام {لِلطَّيّبِينَ} من الناس {والطيبون} من الناس {للطيبات} من الكلام، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن جرير، والطبراني، عن قتادة نحوه أيضاً، وكذا روي عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن زيد في الآية قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان، والفرية، فبرّأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبيّ هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة، ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً، فكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب، وفي قوله: {أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} قال: هاهنا برئت عائشة.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: لقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة وأجراً عظيماً.


لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف، شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء، فربما يؤدّي إلى أحد الأمرين المذكورين، وأيضاً: إن الإنسان يكون في بيته، ومكان خلوته على حالة قد لا يحبّ أن يراه عليها غيره، فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية، هي قوله: {حتى تَسْتَأْنِسُواْ}، والاستئناس: الاستعلام، والاستخبار أي: حتى تستعلموا من في البيت، والمعنى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم، وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم، ومنه قوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدا} [النساء: 6] أي: علمتم. قال الخليل: الاستئناس الاستكشاف، من أنس الشيء إذا أبصره كقوله: {إِنّي آنَسْتُ نَاراً} [طه: 10] أي: أبصرت.
وقال ابن جرير: إنه بمعنى: وتؤنسوا أنفسكم. قال ابن عطية: وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس. ومعنى كلام ابن جرير هذا: أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو: كالمستوحش حتى يؤذن له، فإذا أذن له استأنس، فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل. وقيل: هو من الإنس، وهو: يتعرّف هل ثم إنسان أم لا؟ وقيل: معنى الاستئناس: الاستئذان، أي: لا تدخلوها حتى تستأذنوا. قال الواحدي: قال جماعة المفسرين: حتى تستأذنوا، ويؤيده ما حكاه القرطبي عن ابن عباس، وأبيّ، وسعيد بن جبير: أنهم قرءوا {حتى تستأذنوا} قال مالك فيما حكاه عنه ابن وهب: الاستئناس فيما يرى، والله أعلم: الاستئذان، وقوله: {وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا} قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بأن يقول: «السلام عليكم أأدخل؟» مرّة، أو ثلاثاً كما سيأتي.
واختلفوا هل يقدّم الاستئذان على السلام، أو العكس، فقيل: يقدّم الاستئذان، فيقول: أدخل؟ سلام عليكم، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام.
وقال الأكثرون: إنه يقدّم السلام على الاستئذان فيقول: السلام عليكم، أدخل؟، وهو الحقّ، لأن البيان منه صلى الله عليه وسلم للآية كان هكذا. وقيل: إن وقع بصره على إنسان قدّم السلام، وإلاّ قدّم الاستئذان {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} الإشارة إلى الاستئناس، والتسليم أي: دخولكم مع الاستئذان، والسلام خير لكم من الدخول بغتة {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أن الاستئذان خير لكم، وهذه الجملة متعلقة بمقدّر أي: أمرتم بالاستئذان، والمراد بالتذكر الاتعاظ، والعمل بما أمروا به {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى يُؤْذَنَ لَكُمُ} أي: إن لم تجدوا في البيوت التي لغيركم أحداً ممن يستأذن عليه فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم بدخولها من جهة من يملك الإذن.
وحكى ابن جرير عن مجاهد أنه قال: معنى الآية فإن لم تجدوا فيها أحداً، أي: لم يكن لكم فيها متاع، وضعفه، وهو حقيق بالضعف؛ فإن المراد بالأحد المذكور: أهل البيوت الذين يأذنون للغير بدخولها، لا متاع الداخلين إليها {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا} أي: إن قال لكم أهل البيت: ارجعوا، فارجعوا، ولا تعاودوهم بالاستئذان مرّة أخرى، ولا تنتظروا بعد ذلك أن يأذنوا لكم بعد أمرهم لكم بالرجوع. ثم بين سبحانه: أن الرجوع أفضل من الإلحاح، وتكرار الاستئذان، والقعود على الباب فقال: {هُوَ أزكى لَكُمْ} أي: أفضل {وَأَطْهَرُ} من التدنس بالمشاحة على الدخول لما في ذلك من سلامة الصدر، والبعد من الريبة، والفرار من الدناءة {والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} لا تخفى عليه من أعمالكم خافية {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} أي: لا جناح عليكم في الدخول بغير استئذان إلى البيوت التي ليست بمسكونة.
وقد اختلف الناس في المراد بهذه البيوت، فقال محمد بن الحنفية، وقتادة ومجاهد: هي الفنادق التي في الطرق السابلة الموضوعة لابن السبيل يأوي إليها.
وقال ابن زيد، والشعبي: هي حوانيت القيساريات، قال الشعبي: لأنهم جاءوا ببيوعهم، فجعلوها فيها، وقالوا: للناس هلمّ.
وقال عطاء: المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول، والغائط، ففي هذا أيضاً متاع. وقيل: هي بيوت مكة. روي ذلك عن محمد ابن الحنفية أيضاً، وهو موافق لقول من قال: إن الناس شركاء فيها، ولكن قد قيد سبحانه هذه البيوت المذكورة هنا بأنها غير مسكونة. والمتاع: المنفعة عند أهل اللغة، فيكون معنى الآية: فيها منفعة لكم، ومنه قوله: {وَمَتّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] وقولهم: أمتع الله بك، وقد فسر الشعبي المتاع في كلامه المتقدّم بالأعيان التي تباع. قال جابر بن زيد: وليس المراد بالمتاع الجهاز، ولكن ما سواه من الحاجة. قال النحاس: وهو حسن موافق للغة {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} أي: ما تظهرون وما تخفون، وفيه وعيد لمن لم يتأدّب بآداب الله في دخول بيوت الغير.
وقد أخرج الفريابي، وابن جرير من طريق عديّ بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: قالت امرأة: يا رسول الله إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحبّ أن يراني عليها أحد: ولد ولا والد، فيأتيني الأب فيدخل عليّ، فكيف أصنع؟ ولفظ ابن جرير: وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي، وأنا على تلك الحالة، فنزلت: {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} الآية.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وابن منده في غرائب شعبة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس في قوله: {حتى تَسْتَأْنِسُواْ} قال: أخطأ الكاتب: حتى تستأذنوا {وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا}.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، والبيهقي، عن إبراهيم النخعي قال في مصحف عبد الله: {حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة مثله.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: الاستئناس: الاستئذان.
وأخرج ابن أبي شيبة، والحكيم الترمذي، والطبراني، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، عن أبي أيوب قال: قلت: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: {حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا} هذا التسليم عرفناه فما الاستئناس؟ قال: «يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت» قال ابن كثير: هذا حديث غريب.
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الاستئناس أن يدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين يسلم عليهم».
وأخرج ابن سعد، وأحمد، والبخاري في الأدب، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي في الشعب من طريق كلدة: أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ، وضغابيس، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه، ولم أسلم، ولم أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع، فقل: السلام عليكم أأدخل؟» قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديثه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد والبخاري في الأدب، وأبو داود، والبيهقي في السنن من طريق ربعيّ، قال: حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟».
وأخرج ابن جرير عن عمر بن سعيد الثقفي نحوه مرفوعاً، ولكنه قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأمة له يقال لها روضة: «قومي إلى هذا فعلميه».
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي سعيد الخدريّ قال: كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعاً، فقلنا له: ما أفزعك قال: أمرني عمر أن آتيه، فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً، فلم يؤذن لي، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ فقلت: قد جئت، فاستأذنت ثلاثاً، فلم يؤذن لي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له فليرجع» قال: لتأتيني على هذا بالبينة، فقالوا: لا يقوم إلاّ أصغر القوم، فقام أبو سعيد معه ليشهد له، فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد.
وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث سهل بن سعد قال: اطلع رجل من جحر في حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعه مدري يحكّ بها رأسه، قال: «لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» وفي لفظ: «إنما جعل الإذن من أجل البصر».
وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن مردويه، عن أنس قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري كله في هذه الآية، فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي ارجع، فأرجع، وأنا مغتبط لقوله: {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا فارجعوا هُوَ أزكى لَكُمْ}.
وأخرج البخاري في الأَدب، وأبو داود في الناسخ والمنسوخ، وابن جرير عن ابن عباس قال: {ياأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا}، فنسخ، واستثنى من ذلك، فقال: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ}.


لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان، أتبعه بذكر حكم النظر على العموم، فيندرج تحته غضّ البصر من المستأذن، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإذن من أجل البصر» وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم، لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها، وأولى بذلك ممن سواهم. وقيل: إن في الآية دليلاً على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم، وفي الكلام حذف، والتقدير قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ غضوا يَغُضُّواْ، ومعنى غضّ البصر: إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية، ومنه قول جرير:
فغضّ الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وقول عنترة:
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يوارى جارتي مأواها
و{من} في قوله: {مِنْ أبصارهم} هي: التبعيضية، وإليه ذهب الأكثرون، وبينوه بأن المعنى: غضّ البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل. وقيل: وجه التبعيض: أنه يعفى للناظر أوّل نظرة تقع من غير قصد.
وقال الأخفش: إنها زائدة، وأنكر ذلك سيبويه. وقيل: إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء. واعترض عليه: بأنه لم يتقدّم مبهم يكون مفسراً بمن، وقيل: إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية، وقيل: الغضّ النقصان، يقال: غضّ فلان من فلان أي: وضع منه، فالبصر إذا لم يمكن من عمله، فهو: مغضوض منه، ومنقوص، فتكون {مِنْ} صلة للغضّ، وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة. وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحلّ النظر إليه، ومعنى {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ}: أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم. وقيل: المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لا تحلّ له رؤيتها، ولا مانع من إرادة المعنيين، فالكل يدخل تحت حفظ الفرج. قيل: ووجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلاّ ما استثنى، بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه، فإنه لا يحلّ منه إلاّ ما استثنى. وقيل: الوجه أن غضّ البصر كله كالمتعذر، بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما ذكر من الغضّ، والحفظ، وهو مبتدأ، وخبره: {أزكى لَهُمْ} أي: أظهر لهم من دنس الريبة، وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} لا يخفى عليه شيء من صنعهم، وفي ذلك وعيد لمن لم يغضّ بصره، ويحفظ فرجه.
{وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن} خصّ سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهنّ تحت خطاب المؤمنين تغليباً كما في سائر الخطابات القرآنية، وظهر التضعيف في يغضضن، ولم يظهر في يغضوا، لأن لام الفعل من الأوّل متحرّكة، ومن الثاني ساكنة، وهما في موضع جزم جواباً للأمر، وبدأ سبحانه بالغضّ في الموضعين قبل حفظ الفرج؛ لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج، والوسيلة مقدّمة على المتوسل إليه، ومعنى: {يغضضن من أبصارهنّ} كمعنى: يغضوا من أبصارهم، فيستدلّ به على تحريم نظر النساء إلى ما يحرم عليهنّ، وكذلك يجب عليهنّ حفظ فروجهنّ على الوجه الذي تقدّم في حفظ الرجال لفروجهم {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي: ما يتزينّ به من الحلية، وغيرها، وفي النهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضعها من أبدانهنّ بالأولى.
ثم استثنى سبحانه من هذا النهي، فقال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.
واختلف الناس في ظاهر الزينة ما هو؟ فقال ابن مسعود، وسعيد بن جبير: ظاهر الزينة هو الثياب، وزاد سعيد بن جبير الوجه.
وقال عطاء، والأوزاعي: الوجه والكفان.
وقال ابن عباس، وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الساق ونحو ذلك، فإنه يجوز للمرأة أن تبديه.
وقال ابن عطية: إن المرأة لا تبدي شيئاً من الزينة، وتخفي كل شيء من زينتها، ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة. ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني النهي عن إبداء الزينة إلاّ ما ظهر منها كالجلباب، والخمار، ونحوهما مما على الكف، والقدمين من الحلية، ونحوها، وإن كان المراد بالزينة: مواضعها كان الاستثناء راجعاً إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين، ونحو ذلك. وهكذا إذا كان النهي عن إظهار الزينة يستلزم النهي عن إظهار مواضعها بفحوى الخطاب، فإنه يحمل الاستثناء على ما ذكرناه في الموضعين، وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة، وما تتزين به النساء فالأمر واضح، والاستثناء يكون من الجميع. قال القرطبي في تفسيره: الزينة على قسمين: خلقية، ومكتسبة؛ فالخلقية: وجهها فإنه أصل الزينة، والزينة المكتسبة: ما تحاوله المرأة في تحسين خلقها كالثياب، والحلى، والكحل، والخضاب، ومنه قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31]، وقول الشاعر:
يأخذن زينتهنّ أحسن ما ترى *** وإذا عطلن فهنّ خير عواطل
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} قرأ الجمهور بإسكان اللام التي للأمر. وقرأ أبو عمرو بكسرها على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس. والخمر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، ومنه اختمرت المرأة، وتخمرت. والجيوب: جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع، والقميص، مأخوذ من الجوب، وهو القطع. قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خمرهنّ من خلفهنّ، وكانت جيوبهنّ من قدّام واسعة، فكان تنكشف نحورهنّ، وقلائدهنّ، فأمرن أن يضربن مقانعهنّ على الجيوب لتستر بذلك ما كان يبدو، وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء الذي هو: الإلصاق. قرأ الجمهور {بخمرهنّ} بتحريك الميم، وقرأ طلحة بن مصرف بسكونها.
وقرأ الجمهور: {جيوبهنّ} بضم الجيم، وقرأ ابن كثير، وبعض الكوفيين بكسرها، وكثير من متقدمي النحويين لا يجوّزون هذه القراءة.
وقال الزجاج: يجوز: أن يبدل من الضمة كسرة، فأما ما روي عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر فمحال لا يقدر أحد أن ينطق به إلاّ على الإيماء، وقد فسّر الجمهور الجيوب بما قدّمنا، وهو: المعنى الحقيقي، وقال مقاتل: إن معنى على جيوبهنّ: على صدورهنّ، فيكون في الآية مضاف محذوف أي: على مواضع جيوبهنّ.
ثم كرر سبحانه النهي عن إبداء الزينة لأجل ما سيذكره من الاستثناء، فقال: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} البعل هو: الزوج والسيد في كلام العرب، وقدّم البعولة لأنهم المقصودون بالزينة، ولأن كل بدن الزوجة والسرية حلال لهم، ومثله قوله سبحانه: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5 6]، ثم لما استثنى سبحانه الزوج أتبعه باستثناء ذوي المحارم، فقال: {أو آبائهنّ أو آباء بعولتهن} إلى قوله: {أَوْ بَنِى أخواتهن} فجوّز للنساء أن يبدين الزينة لهؤلاء لكثرة المخالطة، وعدم خشية الفتنة لما في الطباع من النفرة عن القرائب.
وقد روي عن الحسن والحسين رضي الله عنهما: أنهما كانا لا ينظران إلى أمهات المؤمنين ذهاباً منهما إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] والمراد بأبناء بعولتهنّ ذكور أولاد الأزواج، ويدخل في قوله: {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} أولاد الأولاد، وإن سفلوا، وأولاد بناتهنّ، وإن سفلوا، وكذا آباء البعولة، وآباء الآباء، وآباء الأمهات، وإن علوا، وكذلك أبناء البعولة، وإن سفلوا، وكذلك أبناء الإخوة، والأخوات.
وذهب الجمهور إلى أن العمّ والخال كسائر المحارم في جواز النظر إلى ما يجوز لهم، وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب.
وقال الشعبي، وعكرمة: ليس العمّ والخال من المحارم، ومعنى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} هنّ: المختصات بهنّ الملابسات لهنّ بالخدمة، أو الصحبة، ويدخل في ذلك الإماء، ويخرج من ذلك نساء الكفار من أهل الذمة، وغيرهم، فلا يحل لهنّ أن يبدين زينتهنّ لهنّ لأنهن لا يتحرّجن عن وصفهنّ للرجال. وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} ظاهر الآية يشمل العبيد، والإماء من غير فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كافرين، وبه قال جماعة من أهل العلم، وإليه ذهبت عائشة، وأمّ سلمة، وابن عباس، ومالك، وقال سعيد بن المسيب: لا تغرّنكم هذه الآية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} إنما عني بها الإماء، ولم يعن بها العبيد. وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته، وهو قول عطاء، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وروي عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة، وابن جريج {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} قرأ الجمهور {غير} بالجر.
وقرأ أبو بكر، وابن عامر بالنصب على الاستثناء، وقيل: على القطع، والمراد بالتابعين: هم الذين يتبعون القوم فيصيبون من طعامهم لا همة لهم إلاّ ذلك، ولا حاجة لهم في النساء، قاله مجاهد، وعكرمة، والشعبي، ومن الرجال في محل نصب على الحال. وأصل الإربة والإرب والمأربة: الحاجة، والجمع: مآرب، أي: حوائج، ومنه قوله سبحانه: {وَلِي فِيهَا مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] ومنه قول طرفة:
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا *** تقدّم يوماً ثم ضاعت مآربه
وقيل: المراد بغير أولي الإربة من الرجال: الحمقى الذين لا حاجة لهم في النساء، وقيل: البله، وقيل: العنين، وقيل: الخصي، وقيل: المخنث، وقيل: الشيخ الكبير، ولا وجه لهذا التخصيص، بل المراد بالآية ظاهرها، وهم: من يتبع أهل البيت، ولا حاجة له في النساء، ولا يحصل منه ذلك في حال من الأحوال، فيدخل في هؤلاء من هو بهذه الصفة ويخرج من عداه {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء} الطفل: يطلق على المفرد والمثنى، أو المراد به هنا: الجنس الموضوع موضع الجمع بدلالة وصفه بوصف الجمع، وفي مصحف أبيّ: {أو الأطفال} على الجمع، يقال للإنسان طفل: ما لم يراهق الحلم، ومعنى {لَمْ يَظْهَرُواْ} لم يطلعوا، من الظهور بمعنى الاطلاع، قاله ابن قتيبة. وقيل: معناه: لم يبلغوا حدّ الشهوة، قاله الفراء، والزجاج، يقال: ظهرت على كذا: إذا غلبته، وقهرته. والمعنى: لم يطلعوا على عورات النساء ويكشفوا عنها للجماع، أو لم يبلغوا حدّ الشهوة للجماع. قراءة الجمهور: {عورات} بسكون الواو تخفيفاً، وهي لغة جمهور العرب. وقرأ ابن عامر في رواية بفتحها. وقرأ بذلك ابن أبي إسحاق، والأعمش. ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، وهي لغة هذيل بن مدركة، ومنه قول الشاعر الذي أنشده الفراء:
أخوَ بيَضَاتٍ رائحٌ متأوبٌ *** رفيقٌ لمسح المنكبينِ سبوحُ
واختلف العلماء في وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من الأطفال، فقيل: لا يلزم لأنه لا تكليف عليه، وهو الصحيح؛ وقيل: يلزم لأنها قد تشتهي المرأة. وهكذا اختلف في عورة الشيخ الكبير الذي قد سقطت شهوته، والأولى بقاء الحرمة كما كانت، فلا يحلّ النظر إلى عورته، ولا يحلّ له أن يكشفها.
وقد اختلف العلماء في حدّ العورة، قال القرطبي: أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل، والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلاّ وجهها، ويديها على خلاف في ذلك.
وقال الأكثر: إن عورة الرجل من سرّته إلى ركبته {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} أي: لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال، فيعلمون أنها ذات خلخال.
قال الزجاج: وسماع هذه الزينة أشدّ تحريكاً للشهوة من إبدائها. ثم أرشد عباده إلى التوبة عن المعاصي، فقال سبحانه: {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون} فيه الأمر بالتوبة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها، وأنها فرض من فرائض الدين، وقد تقدّم الكلام على التوبة في سورة النساء. ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة، فقال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون بسعادة الدنيا، والآخرة، وقيل: إن المراد بالتوبة هنا: هي عما كانوا يعملونه في الجاهلية، والأوّل أولى لما تقرر في السنة أن الإسلام يجبّ ما قبله.
وقد أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: مرّ رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة، ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان: أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلاّ إعجاباً به، فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط، وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط، فشق أنفه، فقال: والله لا أغسل الدمّ حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه أمري، فأتاه، فقصّ عليه قصته، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا عقوبة ذنبك»، وأنزل الله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} قال: يعني من شهواتهم مما يكره الله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك، وليست لك الأخرى» وفي مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، عن جرير البجلي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري، وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس على الطرقات»، قالوا: يا رسول الله ما لنا بدّ من مجالسنا نتحدّث فيها، فقال: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه»، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكف الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
وأخرج البخاري، وأهل السنن، وغيرهم عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها، وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك»، قلت: يا نبيّ الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها»، قلت: إذا كان أحدنا خالياً، قال: «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس» وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتب الله على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين السماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطو، والنفس تتمنى، والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه».
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه»، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا، والله أعلم: أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن، يعني: الخلاخل، وتبدو صدورهنّ وذوائبهنّ، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل الله ذلك: {وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن} الآية، وفيه- مع كونه مرسلاً- مقاتل.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} قال: الزينة: السوار، والدملج، والخلخال، والقرط، والقلادة، {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الثياب والجلباب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه قال: الزينة زينتان زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلاّ الزوج، فأما الزينة الظاهرة، فالثياب، وأما الزينة الباطنة، فالكحل، والسوار، والخاتم. ولفظ ابن جرير: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي الخلخالان، والقرطان، والسواران.
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل، والخاتم، والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عنه قال: هو خضاب الكفّ، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.
وأخرجا عن ابن عباس قال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وجهها، وكفاها، والخاتم، وأخرجا أيضاً عنه قال: رقعة الوجه وباطن الكفّ.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن عائشة: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة قالت: القلب، والفتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج أبو داود، وابن مردويه، والبيهقي عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلاّ هذا»، وأشار إلى وجهه وكفه. قال أبو داود، وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل لأنه من طريق خالد بن دريك عن عائشة، ولم يسمع منها.
وأخرج البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عائشة: قالت: رحم الله نساء المهاجرات الأولات لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} شققن أكثف مروطهنّ، فاختمرن به.
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنها بلفظ: أخذ النساء أزرهنّ، فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العينين، وخضاب الكفّ، والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها، ثم قال: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنّ} الآية، والزينة التي تبديها لهؤلاء: قرطها، وقلادتها، وسوارها، فأما خلخالها، ومعضدها، ونحرها، وشعرها، فإنها لا تبديه إلاّ لزوجها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال: هنّ المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية، وهو النحر، والقرط، والوشاح، وما يحرم أن يراه إلاّ محرم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك، فإنه من قبلك عن ذلك، فإنه لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلاّ أهل ملتها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن ابن عباس قال: لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته.
وأخرج أبو داود وابن مردويه، والبيهقي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبدٍ قد وهب لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنع به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك» وإسناده في سنن أبي داود هكذا، حدّثنا محمد بن عيسى، حدثنا أبو جميع سالم بن دينار، عن ثابت، عن أنس فذكره.
وأخرج عبد الرزاق، وأحمد عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان لإحداكنّ مكاتب، وكان له ما يؤدي، فلتحتجب منه»، وإسناد أحمد هكذا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن نبهان: أن أم سلمة... فذكره.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} قال: هذا الذي لا تستحيي منه النساء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: هذا الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهي النساء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في الآية قال: كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأوّل لا يغار عليه، ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده، وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: هو المخنث الذي لا يقوم زبه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي، عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مخنث، فكانوا يدعونه من غير أولي الإربة، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخلنّ عليكم، فحجبوه».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} وهو: أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال، أو يكون في رجلها خلاخل فتحركهن عند الرجال، فنهى الله عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان.

1 | 2 | 3 | 4